:: دورا أوروبوس ::
تبدو آثار "دورا أوروبوس" التي تبعد حوالي90 كم عن مدينة "دير الزور" شرقا على طريق "البوكمال"، كعذراء تحلم بالفرح أنهت انزواءها في الخفاء، وخرجت لتملأ فراغ الصحراء الموحش بالذكريات، وتوسع المكان لتفاصيل من نوع آخر تروي (للعالم بأسره) من خلا ل الرسوم المسمرة على صخورها الكلسية قصصا في أعماق الذاكرة عن حضارة خرجت من قاع العتمة إلى نور الشمس المضيء لتضع الباحثيين الأثريين أمام منعطف آخر في تاريخ "الفرات" الأوسط .
«تختصر"دورا أوروبوس" ثقافة العالم القديم، حيث أسفرت التنقيبات الأثرية عن وجود 18 معبدا، منها معابد وثنية وكنيسة يهودية وكنيسة مسيحية، وعثرت البعثات الأثرية على لقى أثرية (هلنستية وبارثية ورومانية وساسانية وتدمرية)، ونقوش كتابية (فارسية ولاتينية ورومانية وتدمرية).
وقد اكتشف موقع "دورا أوروبوس" بالصدفة عام1921 من قبل ضابط "انكليزي" لدى قيامه بحفر خندق حماية على جرف صخري يرتفع إلى 42مترعن نهر "الفرات" جنوبي شرق مدينة "دير الزور" 90كم، فعثر على رسوم جداريه زاهية الألوان حالتها على أتم مايرام، وعلى إثر هذا الاكتشاف بدأت أول بعثة أثرية برئاسة الباحث "الأمريكي جيمس هنري برستد" إجراء دراسات على الموقع في العام 1922، ثم توالى توافد البعثات الأثرية إلى الموقع، وباشرت بعمليات تنقيب منهجية أسفرت عن كشف كامل لموقع "دورا أوروبوس" القائم على مساحة 72هكتارا، وقد تم تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى مكان ولادة مؤسسها "سلوقس نيكاتور" في القرن الرابع قبل الميلاد».
صورة للمدينة
«يحاط الموقع بسور معزز بأبراج حراسة، تخترقه أربع بوابات، أهمها بوابة "تدمر" ومن محاسن الصدف أنه في اليوم الأول للتنقيب اكتشف نقش أثري على هذه البوابة يقول (نتمنى لكم حظا طيبا في"دورا أوروبوس")، كما شكل الموقع نقطة حدودية بين الإمبراطورية "البارثية" شرقا والإمبراطورية "البيزنطية" غربا، مما جعلها محكومة بالنزاع بين الطرفيين بهدف بسط النفوذ على منطقة "الفرات" الأوسط، والسيطرة على الطرق التجارية الهامة، فتعاقب على حكمها (الهلنستيون والباراثيون والرومان والساسانيون)، لكن تأثيرها الحضاري البارز جعلها تفرض وهجها ومنطقها على الغزاة، حيث تعايش "الساسانيون" بسلام مع "الهلنستيين" و"الرومان"، وبقية الأقوام الموجودة في المدينة التي لم تعرف التعصب، حيث توجد الكنيسة المسيحية والكنيس اليهودية إلى جانب المعابد الوثنية.
وقد بنيت المدينة وفق نمط (هلوستي) يعرف برقعة الشطرنج، حيث تتقاطع الشوارع العمودية مع الشوارع الفرعية، ليتشكل عن هذا التقاطع مربعات تسمى (البلوكات السكنية)، وشيدت فيها المعابد والقصور والحمامات والمحلات التجارية والمنازل السكنية والمسرح والقلعة بالجهة الشرقية، ويعتبر مسرحها تحفة فنية رائعة، فعندما يقف (المغني) على منصة المسرح يتخذ أعضاء الجوقة مواضعهم في حجرة تحت درج المسرح، فتصدر أصوات الجوقة مضخمة من خلا ل نوافذ صغيرة ضمن درجات المسرح، وبنيت مدرجات المسرح على عشرة مصاطب على شكل حدوه الحصان يخترقها درجان، وفي نهاية المصطبة الأخيرة فجوات تحيط بالمسرح، كانت تنصب فيها تماثيل كبار المحاربين والشخصيات البارزة، وتم سقف المسرح بقبة نصف كروية يعلوها جبين مثلث.
ويعتبر قصر الحاكم من الأبنية الهامة في الموقع، ويتألف من طابقين على سطحه سرادق، زينت جدرانه برسوم ملونة ذات مضامين مثيولوجية و دينية وعسكرية، يضم غرف ومخازن وقاعة استقبال واصطبلات، وزينت الواجهات بزخارف نباتية متعشثة مع بعضها، نقشت على الجص الرطب ولونت بألوان زاهية، وفي الجهة الشرقية يقع معبد "بل" وله مدخل محاط بالأعمدة يفضي إلى باحة فيه عدد كبير من الغرف استخدمت كمخازن للبخور والأدوات النحاسية، وفي واجهة المعبد محراب يوضع فيه تمثال الاله، وزينت جدرانه بالرسوم، منها مشهد الاله "كانون" وهو يضع البخور في المبخرة، وعلى يسار الطريق من بوابة "تدمر" يقع الكنيس اليهودي زينت جدرانه برسوم مستوحاة من التوراة نقل إلى "دمشق" وأعيد بناؤه في المتحف الوطني فيها، وعلى يسار الطريق تقع الكنيسة المسيحية نقلت رسومها الجدارية إلى متحف الفنون الجميلة بجامعة "يال الأمريكية"»
«أن البعثات الأثرية لم تستطع تحديد الآلية التي يتم بها رفع المياه من النهر إلى الحمامات التي بنيت من القرميد لصق مع بعضه بملاط من الجص وروث الحيوانات والفحم، ويدعى هذا الخليط بالاسمنت "الروماني" وهو مقاوم للماء، وفي وسط الحمام حوض كبير استخدم كخزان يغرف منه الماء إلى مقصورات الحمام.
كما عثرت البعثات الأثرية على الكثير من اللقى الأثرية، منها رأس ملك "بارثي" من الحجر الكلسي، ونصب لملك "بارثي" أمام مذبح وطبعات طينية مصنعة بالقوالب وسيوف من البرونز ذات شكل "فارسي" وتروس بعضها من بلاد "الغال" أو"الهند" وثياب وتروس وسرج حصان من الحديد على شكل حراشف السمك وخوذ مختلفة، وثياب "هندية"، ويرجح الآثاريون تعدد مصادر هذه اللقى إلى المرتزقة الذين شاركوا الجيوش "الرومانية" و"الساسانية" في القتال، إضافة إلى مجامر من البرونز ومباخر من الفخار المزجج بالأزرق والأخضر ودبوس من الذهب مطعم بالأحجار الكريمة يظهر في الوسط نقش لـ"هرقل" في حديقة (هسبير ايدوس) ونقود "بارثية" وأخرى "رومانية" ولقى متعددة ذات أهمية تاريخية وأثرية كبيرة».
مدخل تدمر
منقول
تبدو آثار "دورا أوروبوس" التي تبعد حوالي90 كم عن مدينة "دير الزور" شرقا على طريق "البوكمال"، كعذراء تحلم بالفرح أنهت انزواءها في الخفاء، وخرجت لتملأ فراغ الصحراء الموحش بالذكريات، وتوسع المكان لتفاصيل من نوع آخر تروي (للعالم بأسره) من خلا ل الرسوم المسمرة على صخورها الكلسية قصصا في أعماق الذاكرة عن حضارة خرجت من قاع العتمة إلى نور الشمس المضيء لتضع الباحثيين الأثريين أمام منعطف آخر في تاريخ "الفرات" الأوسط .
«تختصر"دورا أوروبوس" ثقافة العالم القديم، حيث أسفرت التنقيبات الأثرية عن وجود 18 معبدا، منها معابد وثنية وكنيسة يهودية وكنيسة مسيحية، وعثرت البعثات الأثرية على لقى أثرية (هلنستية وبارثية ورومانية وساسانية وتدمرية)، ونقوش كتابية (فارسية ولاتينية ورومانية وتدمرية).
وقد اكتشف موقع "دورا أوروبوس" بالصدفة عام1921 من قبل ضابط "انكليزي" لدى قيامه بحفر خندق حماية على جرف صخري يرتفع إلى 42مترعن نهر "الفرات" جنوبي شرق مدينة "دير الزور" 90كم، فعثر على رسوم جداريه زاهية الألوان حالتها على أتم مايرام، وعلى إثر هذا الاكتشاف بدأت أول بعثة أثرية برئاسة الباحث "الأمريكي جيمس هنري برستد" إجراء دراسات على الموقع في العام 1922، ثم توالى توافد البعثات الأثرية إلى الموقع، وباشرت بعمليات تنقيب منهجية أسفرت عن كشف كامل لموقع "دورا أوروبوس" القائم على مساحة 72هكتارا، وقد تم تسميتها بهذا الاسم نسبة إلى مكان ولادة مؤسسها "سلوقس نيكاتور" في القرن الرابع قبل الميلاد».
صورة للمدينة
«يحاط الموقع بسور معزز بأبراج حراسة، تخترقه أربع بوابات، أهمها بوابة "تدمر" ومن محاسن الصدف أنه في اليوم الأول للتنقيب اكتشف نقش أثري على هذه البوابة يقول (نتمنى لكم حظا طيبا في"دورا أوروبوس")، كما شكل الموقع نقطة حدودية بين الإمبراطورية "البارثية" شرقا والإمبراطورية "البيزنطية" غربا، مما جعلها محكومة بالنزاع بين الطرفيين بهدف بسط النفوذ على منطقة "الفرات" الأوسط، والسيطرة على الطرق التجارية الهامة، فتعاقب على حكمها (الهلنستيون والباراثيون والرومان والساسانيون)، لكن تأثيرها الحضاري البارز جعلها تفرض وهجها ومنطقها على الغزاة، حيث تعايش "الساسانيون" بسلام مع "الهلنستيين" و"الرومان"، وبقية الأقوام الموجودة في المدينة التي لم تعرف التعصب، حيث توجد الكنيسة المسيحية والكنيس اليهودية إلى جانب المعابد الوثنية.
وقد بنيت المدينة وفق نمط (هلوستي) يعرف برقعة الشطرنج، حيث تتقاطع الشوارع العمودية مع الشوارع الفرعية، ليتشكل عن هذا التقاطع مربعات تسمى (البلوكات السكنية)، وشيدت فيها المعابد والقصور والحمامات والمحلات التجارية والمنازل السكنية والمسرح والقلعة بالجهة الشرقية، ويعتبر مسرحها تحفة فنية رائعة، فعندما يقف (المغني) على منصة المسرح يتخذ أعضاء الجوقة مواضعهم في حجرة تحت درج المسرح، فتصدر أصوات الجوقة مضخمة من خلا ل نوافذ صغيرة ضمن درجات المسرح، وبنيت مدرجات المسرح على عشرة مصاطب على شكل حدوه الحصان يخترقها درجان، وفي نهاية المصطبة الأخيرة فجوات تحيط بالمسرح، كانت تنصب فيها تماثيل كبار المحاربين والشخصيات البارزة، وتم سقف المسرح بقبة نصف كروية يعلوها جبين مثلث.
ويعتبر قصر الحاكم من الأبنية الهامة في الموقع، ويتألف من طابقين على سطحه سرادق، زينت جدرانه برسوم ملونة ذات مضامين مثيولوجية و دينية وعسكرية، يضم غرف ومخازن وقاعة استقبال واصطبلات، وزينت الواجهات بزخارف نباتية متعشثة مع بعضها، نقشت على الجص الرطب ولونت بألوان زاهية، وفي الجهة الشرقية يقع معبد "بل" وله مدخل محاط بالأعمدة يفضي إلى باحة فيه عدد كبير من الغرف استخدمت كمخازن للبخور والأدوات النحاسية، وفي واجهة المعبد محراب يوضع فيه تمثال الاله، وزينت جدرانه بالرسوم، منها مشهد الاله "كانون" وهو يضع البخور في المبخرة، وعلى يسار الطريق من بوابة "تدمر" يقع الكنيس اليهودي زينت جدرانه برسوم مستوحاة من التوراة نقل إلى "دمشق" وأعيد بناؤه في المتحف الوطني فيها، وعلى يسار الطريق تقع الكنيسة المسيحية نقلت رسومها الجدارية إلى متحف الفنون الجميلة بجامعة "يال الأمريكية"»
«أن البعثات الأثرية لم تستطع تحديد الآلية التي يتم بها رفع المياه من النهر إلى الحمامات التي بنيت من القرميد لصق مع بعضه بملاط من الجص وروث الحيوانات والفحم، ويدعى هذا الخليط بالاسمنت "الروماني" وهو مقاوم للماء، وفي وسط الحمام حوض كبير استخدم كخزان يغرف منه الماء إلى مقصورات الحمام.
كما عثرت البعثات الأثرية على الكثير من اللقى الأثرية، منها رأس ملك "بارثي" من الحجر الكلسي، ونصب لملك "بارثي" أمام مذبح وطبعات طينية مصنعة بالقوالب وسيوف من البرونز ذات شكل "فارسي" وتروس بعضها من بلاد "الغال" أو"الهند" وثياب وتروس وسرج حصان من الحديد على شكل حراشف السمك وخوذ مختلفة، وثياب "هندية"، ويرجح الآثاريون تعدد مصادر هذه اللقى إلى المرتزقة الذين شاركوا الجيوش "الرومانية" و"الساسانية" في القتال، إضافة إلى مجامر من البرونز ومباخر من الفخار المزجج بالأزرق والأخضر ودبوس من الذهب مطعم بالأحجار الكريمة يظهر في الوسط نقش لـ"هرقل" في حديقة (هسبير ايدوس) ونقود "بارثية" وأخرى "رومانية" ولقى متعددة ذات أهمية تاريخية وأثرية كبيرة».
مدخل تدمر
منقول